/ الفَائِدَةُ : ( 2 ) /
06/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / حُجِّيَّةُ الخبر مترتبة طولا عند جلِّ العلماء / إِنَّ حُجِّيَّةَ الخبر عند جلِّ العلماء مُترتِّبة طولاً في مقام الْاِسْتِنْبَاط وبالشَّكل التَّالي: أَوَّلاً: حُجِّيَّة المتن والمضمون، ثُمَّ صحَّة وحُجِّيَّة الكتاب ، ثُمَّ حُجِّيَّة الطَّريق والسند. وهذه حُجَجٌ طوليَّةٌ، فإِذا حصل للفقيه المُتضلِّع : القطع واليقين بمطابقة متن الخبر ومضمونه لمُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة أُخذ به وإِنْ كان ذلك ـ المتن ـ وارداً بخبر ضعيف السند؛ وذلك للقطع بمطابقة متنه ومضمونه لمُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة، وتكون حُجِّيَّته حينئذٍ ذاتيَّة وحيانيَّة، وهي مُقدَّمة على كافَّة الحُجَج، نعم إِذا لم يحصل القطع واليقين لدىٰ الفقيه المُتضَلِّع بمطابقة متن ومضمون الخبر لمُحْكَمَات الدِّين والشَّريعة انتقل إِلى المرتبة الثّانية من مراتب حُجِّيَّة الخبر، وهي: صِحَّةُ وحُجِّيَّةُ الكتاب الوارد فيه ذلك الخبر، فإِنْ كان ـ ذلك الخبر ـ وارداً في كتابٍ صَحِيحٍ وحُجَّةٍ ـ كـ: كتاب الكافي ـ أَخذ به وأَفْتَى على وفقه، وإِلَّا ـ أَي: إِذا لم يكن الكتاب صَحِيحاً و حُجَّة ـ انتقل ـ الفقيه ـ إِلى المرتبة الثالثة من مراتب حُجِّيَّة الخبر، وهي حُجِّيَّة سنده، فإِنْ كان مُعتبراً سنداً أَخذ به وأَفْتَى على وفقه في فقه الفروع وفي أَبواب المعارف وتفاصيل العقائد، وإِلَّا ـ أَي: إِنْ لم يكن مُعتبراً سنداً أَيضاً ـ سقط عن الحُجِّيَّةِ والْاِعْتِبَارِ، وأَعرض عنه ـ هذا إِنْ لم تكن هناك حُجَجٌ طوليَّةٌ أُخرىٰ يتبنَّاها الفقيه كـ: (حُجِّيَّة عمل الطائفة) ـ نعم، يُمكن الأَخذ به على نحو المؤيِّد والمُنبِّه على برهانٍ في دليلٍ آخر. لكن: عكس المعاصرين هذه الحُجَج، بل جعلوا المجموع في عرضٍ واحدٍ، بل حصروها في حُجِّيَّة الطَّريق والسند، وغرابة حصر منهج وطريق المعرفةِ والْاِسْتِنْبَاطِ بالظَّنِّ التَّعَبُّدي والتواتر الحسِّي واضحةٌ؛ فإِنَّ الظَّنَّ التَّعَبُّدي النقلي، بل والتواتر واليقين النقلي لا يزيد عن دائرة إِيجاد الْعِلْمِ واليقين الحسِّي، ولا يرتقي إِلى الْعِلْمِ واليقين العقلي فضلاً عمَّا فوقه من الْعِلْمِ واليقين الوحياني. نعم، لا غنىٰ عن الْعِلْمِ النقلي، بل لا مجال لإِنكار ضرورته، لأَّنَّه مُقدِّمة لليقين العقلي ولليقين الوحياني الواسع بِسَعَة أُفق الوحي، ومن ثَمَّ لابُدَّ من الْاِبْتِدَاء بالْعِلْمِ النقلي؛ لتحصيل اليقين العقلي والوحياني، لكن: الْعِلْم النَّقلي ـ وهو منهج المبتدئين ـ لا يُقتصَر عليه، وإِنَّما لا بُدَّ من الغور في أَعماق بحور معاني وحقائق بيانات الوحي غير المتناهية، من خلال التَّدبُّر والتَّأَمُّل العقلي في متون النقول ومضامينها. / إِشكال وجواب / ومنه يتَّضح: حَلّ إِشكال البعض على الشَّيخ الأَنصاري وغيره مِمَّنْ يقول في بحث أُصول الفقه بـ : أَنَّ الخبر حتَّىٰ يصحُّ الأَخذ به في مقام الاستنباط لابُدَّ أَنْ يكون مُعتبراً شرعاً، لكنَّه في بحث الفقه والتَّوصُّل إِلى النتائج يغفل أَو يتغافل عن هذه القضيّة الَّتي حرَّرها في بحث أُصول الفقه، ويأخذ بالخبر ويُرتِّب عليه الآثار الفقهيَّة وإِنْ كان ضعيفاً سنداً، فَمَا عدا مِمَّا بدا. والجواب: أَنَّ الشَّيخ الأَنصاري وإِنْ كان يقول باعتبار حُجِّيَّة سند الخبر، لكنَّ مبناه ـ كمبنىٰ استاذه صاحب الجواهر وغيره هو ـ مبنىٰ مشهور المُتقدِّمين القائلين بهذه الحُجَج الطوليَّة، فإِنَّه وإِنْ قرَّر الفقيه في بحث الأُصول: أَنَّ الخبر لا يصحُّ الأَخذ به إِلَّا إِذا كان مُعتبراً سنداً، لكنَّه في بحث الفقه ومقام الاستنباط أَوَّل ما يُلاحظ الفقيه من المُتقدِّمين المتن والمضمون، ويعرضه على مُحْكَمَات الكتاب الكريم والسُّنَّة الشَّريفة، فإِذا أَورث له ذلك العرض القطع واليقين بمطابقة ذلك المتن والمضمون لمُحْكَمَات الثقلين كانت حُجِّيَّة ذاتيَّة إِمَّا عقليَّة أَو وحيانيَّة، ووجب الأَخذ به وترتيب الآثار الشَّرعيَّة والمعرفيَّة والعقائديَّة عليه وإِن كان ضعيفاً وغير مُعتبرٍ سنداً؛ لأَنَّ حُجِّيَّة واعتبار سند الخبر تأتي في مرتبة مُتأخِّرة طوليَّة ثالثة؛ لم تصل إِليها حاجة الفقيه بحسب الفرض . نعم، إِذا لم يحصل له القطع واليقين بمطابقة متن ومضمون الخبر لمُحْكَمَات الثقلين التجأ إِلى الجهة التالية من جهات الحُجِّيَّة، وهي صحَّة وحُجِّيَّة الكتاب، فإِنْ كان وارداً في كتابٍ صحيحٍ ومعتبرٍ عند الْإِمَامِيَّة ـ كـ: كتاب الكافي ـ أَخذ به، وإِلَّا صار أَمر الفقيه إِلى الجهة الثالثة من جهات الحُجِّيَّة، وهي حُجِّيَّة السند، فإِنْ كان مُعتبراً بحسب مبانيه الرجاليَّة أَخذ به، وإِلَّا فلا . هذا إِنْ لم يَقُل بغير هذه الحُجَج الثلاث؛ كحُجِّيَّة: (عمل الطائفة)، وإِلَّا التجأ إِليها؛ وصحَّح الخبر على وفقها إِنْ أَمكن. وصلى الله على محمد واله الاطهار